أول وطأة قدم لي
في بيروت
أثناء المشي في شارع الحمرا وسط بيروت امتلكني شعور بقوة الجذب والحب من أول وطأة قدم، جميل شارع الحمرا لديه قدرة غير طبيعية على إعطاء الزائر الحيوية فلا تمل من النظر يميناً ويساراً للمحال التجارية والمتسوقين والجالسين على المقاهي، كما والنظر لفن الجرافيتي على الجدران، إحدى العمارات رسمت عليها جدارية كبيرة جداً للفنانة صباح باللون البنفسجي سرقت نظري لدقائق. بالرغم من الصراعات والحروب التي مرت على هذا البلد إلا أن فيه طاقة على إظهار الوجه الجميل للبنان
قصدت مقهى جذبني اسمه (تاء مربوطة) شعاره (ة). تساءلت إن كان يقصد صاحبه التعبير بهذا الأسم عن حقوق النساء، فالتاء في اللغة من علامات التأنيث.
متحيزة زنا للمرأة، اعتقدت أن المطعم نسائي أو يقدم صورة مختلفة للمرأة فذهبت إليه، بلا شك، فإن التاء في العربية من علامات التأنيث، فهي تلحق بالاسم، فتغير دلالته من التذكير إلى التأنيث. فيعتقد العرب بأن "أصل الاسم أن يكون مذكراً، فإن التاء تدخل على الاسم فتغير دلالته من التذكير إلى التأنيث. برغم حبي للغة العربية إلا أنها لغة ذكورية، من قال إن أصل الأشياء مذكر؟
جبرا إبراهيم جبرا
تتبّعٌ لبيوته الأولى في بيت لحم
في إحدى حارات بيت لحم القديمة ما بين البيوت المتلاصقة، ولد مؤلف وناقد وتشكيلي فلسطيني من طائفة السريان الأرثوذكس اسمه جبرا إبراهيم جبرا، الذي نشأ على بعد عشرات الأمتار من كنيسة المهد.
ما بين الحاضر والماضي والماضي الأكثر غرقا في التاريخ تشكلت مدينة بيت لحم من عائلات سكنت فيها وأخرى جاءت إليها كجزء من القوافل المسيحية للحج وظلت هنا. فهي مدينة أقرب إلى طابع البلدة بشوارعها الصغيرة وبيوتها المتلاصقة، تشعر فيها بدفء وترحاب أهلها، فلطالما سمعت من عائلتي المسلمة اللاجئة الى بيت لحم في نكبة ١٩٤٨ عن كرم الكنائس التلحمية التي آوت اللاجئين المهجرين في الشتاء القارص.
ولد جبرا في شهر آب في العام ١٩٢٠ في بيت لحم، في عهد الانتداب البريطاني. ودرس في القدس وانكلترا وأمريكا ثم انتقل للعمل في جامعات العراق لتدريس الأدب الإنجليزي وكان له شأن لتنوع كتاباته وترجماته. فقد أنتج نحو سبعين من الروايات والكتب المؤلفة والمترجمه، كما وتُرجمت أعماله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة.
وبرغم كل تلك التجربة العميقة في بقاع مختلفة، يتحدث جبرا كثيرا في مؤلفاته وتحديدا كتابه «البئر الأولى» عن بيت لحم، لأن هذه المدينة ارتبطت بشكل وثيق بطفولته ونشأته فيستذكر قول الشاعر وردزويرث: "إن الطفل هو والد الرجل" ويقول جبرا: "إن الطفولة تبقى مبعث سحر يستديم فعله الغامض ومصدر وهج يعجز عنه التفسير".
وكتب في رواية «البحث عن وليد مسعود»: "في الشباب نخجل من الاستغراق في الذكريات، لأن الحاضر والمستقبل أهم وأضخم. ولكننا مع تقدم السنين يقل فينا الخجل من الانزلاق نحو الذكريات" ولذلك كتب كثيرا عن نشأته وذكرياته الأولى وهو في سن متأخر.
سكنت عائلة جبرا في سبع بيوت، جميعها في شارع النجمة أو بالقرب منه وهو الشارع الذي كان يسلكه الحجاج للوصول لكنيسة المهد. وسمي بشارع النجمة نسبة إلى النجمة التي ذكرت في إنجيل متى، حيثُ يروي الإنجيل أنها كشفت مكان ولادة المسيح للمجوس الثلاثة. ويتمتع الشارع بقيمة دينية تعود إلى الميلاد عندما مرت العائلة المقدسة فيه وصولا إلى مغارة المهد.
أول بيت سكنه جبرا في مدينة مهد المسيح كان يسمى بالخان، سكنت العائلة في الطابق الأرضي ويصفه جبرا بأنه طابق بدون شبابيك تدخله الشمس فقط من خلال البيت الرئيسي وهو يقع خلف الجامع الكبير أو جامع عمر بن الخطاب وهو أقدم مسجد في بيت لحم، وقد خصص هذا المسجد لذكرى الخليفة عمر بن الخطاب الذي زار مدينة بيت لحم عام 637، بعد أن كان قد أصدر مرسوما تعهد السلامة لجميع المسيحيين ورجال الدين واحترام مقدساتهم. وعودة للبيت الأول وهو الخان، فلا يزال قائما حتى الآن ويصفه جبرا في كتابه «البئر الأولى» بأنه بناء قديم! في الطابق الثاني يسكن الراهب يوسف شاهين أما في الطابق الثالث عليّة وكانت تستخدم ككنيسة للطائفة السريانية. فقد قدمت طائفة السريان من بلاد ما بين
النهرين وتركيا إلى فلسطين وبعضهم سكن في بيت لحم ومنهم من فر قبيل الحرب العالمية الأولى والمذابح العثمانية لهم. وقد قدِم جد جبرا إلى بيت لحم كحاج وبقي فيها.
قارب في بحر اسمنتي
معرض مكانك سر
القادم إلى معرض الفنان عايد عرفة يستقبله تنوع الألوان فيكاد يذهل بكم مزج الألوان التي تتراوح ما بين الأخضر والأصفر والبنفسجي والأزرق ودرجات البني. الحيز ليس بكبير ولكن بمجرد أن تخطو قدمك داخل الباب الزجاجي للمعرض حتى تدخل إلى عوالم مختلفة. تتحدث الفتاه التي تدير المكان عن الفنان عايد ونشأته في مخيم الدهيشة للاجئين وأعماله فيختفي صوتها لأشرد بمخيلتي داخل لوحة ”السر". أسمع صوت الألوان فهي ليست صامتة كما يظنها البعض، ملاقط الغسيل تحدد المباني وتربط الأحياء السكنية معاً، حبٌ للبحث في المساحات وهندستها يبدو واضحاً في هذه الرسمة، أنماط شكلية وهندسية متضادة ومتداخلة، أدراج كأدراج المدن الفلسطينية القديمة كبيت لحم والقدس القديمة، القباب أينما وليت وجهك، وفي قلب المدينة مصباح مضيء وفي أسفله هنالك السر في الكلام المتشابك بالخط العربي الساحر.
غزال قيد الانشاء
يقفز الغزال في إحدى اللوحات عالياً فوق كل القرى والمدن غير آبه بحواجز أو تقسيمات الأبرتهايد فهو لا يرى الجيش الإسرائيلي على الحواجز، هو هنا قبلهم بكثير. تقول محاميد: ”إن الصراع في داخل أراضي الـ ٤٨ أكبر من مجرد حدود وحواجز ، فهو على وجودنا على لغتنا حتى على قصصنا وذاكرتنا وموروثنا الحضاري.“
يجذب انتباهي مجسم لقطيع من الغزلان يسير في دائرة وهم مبتورو الأقدام متداخلين متشابكين معاً في دائرة محاصَرين داخلها قد تكون دوامة، فالدائرة في رمزيتها قد تحمل معنى الهزيمة وقد تحمل معنى التوحد أو قد تحمل فلسفة الحياه اليومية، ففي كل يوم تمر بنفس الدائرة ونفس الروتين فتدور الدائرة لننتهي بنفس النقطة التي بدأنا منها. تستخدم محاميد الدائرة بعدة أساليب في اللوحات والمجسمات فهي حتماً جزء من عمق الفكرة وتشكيلها البصري.